صج انها طويلة بس انشاء الله تعجبكم
وقعت أحداثُ هذه القصة في الجمهورية العربية السورية .. في مدينة حلب الشهباء .. في كلية العمارة ( الرسم المعماري ) ..
ارجو منكم تثبيتها لطولها
الفصل الأول
بطل هذه القصة سُوريٌّ أرمني يُدعى ( ساورو ) ..و بطبيعة الحال وكمعظم الأرمن فهو نصرانيٌّ أرثوذوكسي متعصبٌ متشددٌ جداً .. يتوارثون الأرثوذوكسية و يتواصون بها ..
كان ( ساورو ) على معرفةٍ جيدةٍ بالدين الأرثوذوكسي كما كان مُعمَّداً في كنائسها وعلى علاقةٍ وطيدةٍ مع القساوسة الأرثوذوكسيين في حلب و طالما تبادل الزيارات معهم .
بدأ دراسته في الهندسة المعمارية بنظام الدبلوم - سنتين - ليتخرج مُهندساً مُساعداً ..
شابٌ صغير السن .. لم يتجاوز الحادية و العشرين من العمر فهو من مواليد العام السادس و الثمانين من القرن الماضي ..
مضت به الأيام في كلية العمارة ..
انتهت قبل قليل إحدى المُحاضرات الهندسية التي كان يحضُرها ( ساورو ) ، فقام مُتوجِّهاً إلى حديقةِ الكلية حيثُ يرتشفُ شيئاً من الشاي الساخن على نشوة دخان سيجارةٍ تعيدُ له أعصابهُ – كما يظنُّ معظم المُدخنين - !
و بينما هو يسيرُ صوب حديقة الكُليِّة كان هاتفهُ المحمولُ يرنٌّ مُستقبلاً إحدى المكالمات من أهله ، سقطت إحدى القطع الهندسية من يده و هو يسحبُ هاتفهُ من جيبه ، فأصبح في حالٍ لا يُحسدُ عليها !! يضعُ هاتفهُ على أذنه بيدٍ ، ويحاولُ لملمة ما سقطَ من باليد الأخرى ثم بالخطأ أيضاً اصطدم بإحدى الطالبات فسقط منه ما تبقى من أدواته !!
يُغلقُ ( ساورو ) خط الهاتف بعد أن حارت يداه في تمالك أدواته ، وحار عقله في استيعاب الموقف !!
- ( ساورو ) : معذرةً يا أمي ... سقطت مني أدواتي ، فسأستعيدها ثم أعاودُ الاتصال بكِ .
وانحنى ( ساورو ) لرفع أدواته عن ارض الحديقة ليجد أن الفتاة التي اصطدم بها قد بدأت بهذا العمل على خجلٍ اصطبغ على وجهها واعتذارٍ لم يُفارق لسانها ..
استعاد ( ساورو ) أدواته أخيراً و اعتذر للفتاة أيضاً على الاصطدام المُفاجئ .. وولى كُلُّ واحدٍ منها في سبيله .
عاد ( ساورو ) بعد الاستراحة إلى قاعة الدروس ، لكن ما لفت نظرهُ أن تلك الفتاة التي اصطدم بها للتو كان تجلسُ على إحدى مقاعد هذه القاعة .. جالت الأفكارُ بذهن ( ساورو ) :
- صحيحٌ أنني لم أزل حديث عهدٍ بهذه الكُلية ؛ لكنني لم أنتبه أبداً أن هذه الفتاة هي زميلتي في الدفعة نفسها !
انتهت المحاضرة ، و أخذ الطُلابُ أدواتهم و حقائبهم مُتجهين إلى منازلهم بعد يومٍ حافل ، غير أن ( ساورو ) كان يتوجهُ إلى مؤخرة القاعة حيثُ كانت تجلس الفتاة التي اصطدم بها أو من كانت تُسمّى ( رنا ) ..
- ( ساورو ) : عجباً إننا زميلين في دفعةٍ واحدةٍ بيد أننا لم نجد وسيلةً للتعارف غير الاصطدام ؟!
احمرَّ وجهُ ( رنا ) لما قالهُ زميلُها .. و قالت :
- ربما تكونُ الصُدفُ أبلغُ الوسائل !
- ( ساورو ) : على أية حال حصل خيراً ... وسُررتُ بمعرفتك .. ألقاكِ بالغد ..
- ( رنا ) : وأنا أيضاً ... إلى اللقاء .
بدأت هُنا و من هذه اللحظة أولى لحظات حكاية بطلي القصة ( ساورو ) و ( رنا ) ... فأمّا ( ساورو ) فعرفناهُ . فمن تكونُ ( رنا ) ؟!
كانت ( رنا ) تدرسُ أيضاً في كلية العمارة بنظام الدبلوم ، في دفعة ( ساورو ) أيضاً .
لم تكن ( رنا ) من هواة الصداقات بين الجنسين وكذلك فلم يكن لديها في ذلك مانعٌ مع زُملاء الدراسة ولغرض الزمالة .
أما ( ساورو ) فهو من تعلَّق قلبُه لأول وهلةٍ رأى فيها زميلته ( رنا ) .
قد لا تكون ( رنا ) ملكة جمالٍ .. أو عروساً فاتنةً .. ولكن ثمةَ ما يُعجب المرءُ بشابٍ أو فتاةٍ بالجملة و ليس لصفةٍ مُميزة فيه أو فيها .. ومع ذلك فقد كانت ( رنا ) جميلةً حقاً .
كانت كمعظم طالبات الكلية تضع حجاباً شكلياً يتكون من بالطو جميلٍ ضيّق يُلائم الجسم الأنثوي كالفستان مع إيشار (غطاء رأسٍ ) تبرُزُ من أمامه بضعةُ شُعيراتٍ ذهبيةٍ على ذلك الوجه النديِّ الذي تُزينه ألوانٌ من الماكياج و أحمر الشفاه المميز .. و من أسفل الرُكبة تظهرُ ساقين يعلوهما بنطالٌ ضيقٌ مُزركش.
بالمعنى مسلمة اسمياً ..لكنها محافظة على الصلاة على الأقل ..
دخل ( ساورو ) حديقة الكُلية كعادته الصباحية ليشرب الشاي ، وأخذ يتجوّلُ في أرجاء الحديقة حتى وصلَ إلى إحدى الطاولات .. و قال :
- معذرةً ، هل تسمحينَ لي بالجلوس معكِ على هذه الطاولة؟!
كانت ( رنا ) تجلسُ على الطاولةِ ذاتها حين رفعت بصرها باتجاه ذلك الصوت المألوف .. و قالت لنفسها :
-عجباً ! إنه نفس ذلك الشاب بالأمس ..
قطع ذلك استطرادُ ( ساورو ) :
- إن كُنتِ لا ترغبين فسأنصرف .
تلعثمت ( رنا ) دهِشَةً :
- لا على العكس تماماً .. يسرُّني ذلك .
وصل على الفور نادلُ كافتيريا الحديقة ، فاستدارَ ( ساورو ) إلى ( رنا ) قائلاً :
- إن كُنتِ لا تُمانعين سأدعوكِ اليوم إلى كوبٍ من الشاي .
- ( رنا ) : هذا لطفٌ منك .
أخذ ذلك الشابُ الأرمني (ساورو) يُبادلها أطراف الحديث .. في تلك الحديقة النضرة الخضرة المكسوَّة بالورود النديَّة على أنسام الجو الشامي الساحر .
تبادل الزميلان ( ساورو ) و ( رنا ) الأحاديث في هذا الجو العبق ..وطال جلوسهما .. إلى أن انتبهت ( رنا ) إلى ساعتها قائلةً :
- معذرةً ( ساورو ) ، لقد تأخرت . عليَّ الآن العودة إلى المنزل . ألقاك غداً .
لوَّح ( ساورو ) لـ ( رنا ) وهي تُغادر الحديقة :
- سأكون في انتظارك .
كبقية الصداقات بين الجنسين تبدأُ الصداقة بالحديث عن الدراسة و همومها .. إلى تبادل الواجبات و المشاركة في إعداد البحوث و التقارير .. هكذا تبدأ الصداقات حتى يُكتب لها النجاح و الاستمرار أو الفشل .. فإن نجحت تطوّرت الأحاديث إلى الاهتمامات المشتركة و قد تأخذُ منحىً آخر .. و جملة هذه العلاقات في أوطاننا العربية لا تعدو أن تكون تسليةً أو إضاعةً للوقت ..
استمرت العلاقة كذلك .. بيد أن ( ساورو ) كان يرسم شيئاً آخر ..
تقوّت الصداقة شيئاً فشيئاً .. أراد ( ساورو ) أن يحسم هذه الصداقة بشكلٍ ما..
جلس إلى ( رنا ) في حديقة الكلية .. و تحدّث إليها طويلاً كالمُعتاد .. و قبل أن يختم الحديث ألقى إليها بطلبٍ راجياً منها دراسته بشكلٍ مُستفيض :
- أريد أن أتقدّمَ إليك يا ( رنا ) فهل تقبلين خطبتي ؟!
سكتت (رنا) مذهولةً لهذا الطلب المُفاجئ ! و ما المُفاجئ في أن يتقدَّم شابُّ لخطبة فتاة ؟! أما السبب فأسمعته ( رنا ) لصديقها ( ساورو ) بكلِّ حزمٍ و ثبات :
- بالطبع لا .. فأنا مُسلمةٌ و أنت نصرانيٌّ !!
و بنفس ذهول ( رنا ) ذُهل ( ساورو ) أيضاً و سأل مُتعجباً :
- و ما الغريبُ في أن يتزوج نصرانيُّ مثلي من مسلمةٍ مثلك؟!
عاجلته ( رنا ) أيضاً :
- بكلِّ بساطة لا يمكن حدوثُ ذلك .. فهو مُحرمٌ في الإسلام .. و لا سبيل إلى ذلك إلاّ بإسلامك و بعدها لكل حادثةٍ حديث ..
و بشيءٍ من الغضب سأل ( ساورو ) :
- و لماذا لا تعتنقين أنتِ النصرانية ؟!
أجابت ( رنا ) بكُلِّ بدهيةٍ و على الرغم من جهلها الكبير بدينها فضلاً عن جهلها بالنصرانية :
- أريدُ أن تُقنعي بشيء واحدٍ فقط و عندئذٍ يمكن أن أتنصّر.. أقنعني فقط : "كيف يمكن أن يكون واحدٌ في ثلاثةٍ"؟! كيف يكون إلهٌ واحدٌ في ثلاثة آلهةٍ؟!
ذُهل الشاب ( ساورو ) و لم ينبس ببنت شفةٍ وولى ظهره عائداً إلى منزله..دخل منزله .. و أقفل على نفس باب غرفتهٍ واستلقى على فراشه .. وأخذ يُفكّر في ذلك السؤال المُحيِّر.. ( واحد في ثلاثة ) ... ( واحد في ثلاثة ) .. هل يمكن ذلك ؟! و لماذا يكون ذلك خطئاً ؟! .. لم لا يكون صواباً .. و ما المُشكلةُ في ذلك ؟! هل يُعقل أننا نتوارثُ إرثاً دينياً مُقدساً ويتَّضحُ بعد ذلك خطئه ؟! هل تُريد عزيزتي القول بأن المسيح كان بشراً عادياً كأيِّ بشر ؟! ذلك غير مُمكن !!
تواصلت الأفكار تنهمرُ على فِكر ( ساورو ) دونما توقّفٍ..فلقد كانت المُفاجأة أكبرَ من أن تُوصفَ بهذا السؤال المُذهل .. تستطيعُ القولَ بأنه لم ينم حتى الصّباح ..
الفصل الثاني
يمشي ( ساورو ) بخطواتٍ مُتثاقلةٍ إلى حديقة الكلية ؛ فهو لم ينم ليلة الأمس وهو يُفكِّرُ في لغز الواحد في ثلاثة ..
كان يتجه صوب ذلك الرصيفِ الذي اعتاد الجلوس إليه مع صديقته ( رنا ) .. و يبدو أن ( رنا ) كان تنتظرهُ على أحرَّ من الجمر في المكان ذاته .
ما إن جلس إلى الرصيف حتى بادر ( ساورو ) في الحديثِ قبل أن تتكلم ( رنا ) قائلاً :
- اسمعي ( رنا ) ! أنا لا يُمكن أن أكون مُسلماً بحالٍ من الأحوال و هذا قراري النهائي فلا تُحاولي .. مستحيلٌ أبداً أن أُسلم !
أطرقت ( رنا ) قليلاً حين سماعها لجواب ( ساورو ) وكأنها كانت تستذكر ما ردده المشركون قديماً : ( لو أسلمت بغلةُ ابن الخطاب ما أسلم عُمر ) !!
لم يطُل صمتُها طويلاً فقد استدرك ( ساورو ) ما بدأهُ قائلاً :
- و مع أنني لن أُسلم فلن يمنعني ذلك من الاستماع إلى حُججكِ و شرحكِ عن الإسلام ، و لن يمنعنا ذلك من التناقُشِ حول صحة الدينين .. و سنبقى صديقين .
ابتهج قلبُ ( رنا ) لذلك ؛ فلرُبَّما لان قلبُه أو هداه ربُّهُ ولو بعد حين .
بدأ ( ساورو ) يطرحُ على صديقته ( رنا ) شيئاً من الحُججِ التي سمعها في الكنيسة حول الإسلام ، و بدأت ( رنا ) تُجيب على قليلِ مما عرفتهُ حول دينها ؛ بيد أنها آثرت أن تؤجّلَ نقاشها معه إلى الغد حتى تستوضح بصورةٍ وافيةٍ حول أسئلته واستفساراته .
و قبل أن يُغادرا الكُلية تصافحا و في عيني كُلِّ منهما نظرةُ التَّحدِّي و الإصرار و العِناد !
عادت الفتاة ( رنا ) إلى منزلها تحملُ كومةً من الشُبَهِ التي أثارها صديقُها حول الإسلام . إنها لا تشُكُّ للحظةٍ في صحة ما تؤمنُ به ، و لكنه بدا مُلِّحاً إيجادُ أجوبةٍ مُقنعةٍ لما يُثيرُهُ ( ساورو ) .
لم تعتد ( رنا ) أن تقف أمام رُفوفِ مكتبة المنزل لتقرأ شيئاً حول بعض المسائل البسيطة عن دينها ؛ فلقد اعتادت ولساعاتٍ طوال أن تقف أمام المرآة تُسرِّحُ شعرها الذهبي وتنوِّعُ ألوان الماكياج على شفتيها و خديّها و تكّحيل عينيها!
و لكنها وبعد ساعاتٍ طويلةٍ من البحث لم تجد أجوبةً كافيةً لما تبحثُ عنه فقررت وضع خطةٍ تقضي بزيارة مكتبة حلب العامّة و استشارة معلِّمة الشريعة في المعهد الديني بحلب ..
وبعد جُهدٍ مُضنٍ عادت ( رنا ) مُستبشرةً تحملُ الإفحام لصديقها ( ساورو ) ..
وفي اليوم التالي و كما اعتاد الصديقان الجلوس في أوقات الفراغ في حديقة الكُلية فإنهما جلسا هذه المرة أيضاً إلى نفس ذلك الرصيف .. و لكن هذه المرة تبدو مختلفةً بعض الشيء.. أشبهُ بمُناظرةٍ علمية ! هذا يطرحُ الشُبه و تلك تُجيب بلهجة كُلُّها إقناع و بمشاعر ملؤها الحُبُّ و الشفقة !